اعداد : د. راضي العبداللات
مركز الرأي للدراسات
نيسان 2012
لكل بلد نموذجها في الحكم ولذلك توصف الحكومات وتصنف حسب المعايير الدولية والنظريات السياسية بانها اما حكومات ديمقراطيه اذا كانت منتخبة من الشعب وتمارس اعمالها وحسب مبدأ الشرعيه الدستورية ليس نظريا وانما على ارض الواقع السياسي. واما حكومات قانونية تستند بوجودها الى القانون واحكام الدستور واما حكومات فردية او حكومات الاقلية بمعنى تحالف الارستقراطية مع المال السياسي واما حكومات بوليسيه حتى تخرج الحكومات باعمالها عن الدستور والقانون ولا تحترمه الا بالشعارات واما حكومات دكتاتورية حيث يحكم الدكتاتور باسم القانون والدستور والبلاد بشكل فردي.
=لعبة العسكر في العالم الثالث ودورهم في السلطه قديم وقد تجدد في اكثر من بلد في الوقت الراهن وباشكال عديدة ولا يخفى ان معظم الثورات والانقلابات العسكرية انتهت في العالم الثالث وفي الاغلب الى عودة العسكر الى السلطة ولكن بعد ان نزعوا بدلاتهم العسكرية واوسمتهم التي لاتحصى واستبدلوها ببدلات ايطالية وبانتخابات مزورة لاكتساب شرعية صورية داخلية وخارجية ولا ضير في ذلك طالما ان الثمن هو البقاء في السلطة .
النموذج الباكستاني
منذ استقلال الباكستان عن الهند عام 1947 وحتى اليوم ومارافق ذلك لاحقا من دور للجيش الباكستاني في حروبه الثلاث مع الهند العدو اللدود للباكستان برز النموذج الباكستاني في ديمقراطية عرجاء تقوم على مبدأ تقاسم السلطة بين السلطة التنفيذية والعسكر وتمثلهم قياده الجيش وقيادة جهاز الاستخبارات الباكستاني. تقاسم السلطة المخالف لاحكام الدستور والقوانين الباكستانية والتي تعطي الولاية العامة للحكومه في ادارة البلاد داخليا وخارجيا وعدم مسؤوليتها الا امام البرلمان المنتخب من الشعب الباكستاني وخضوع الجيش والعسكر والاستخبارات العسكرية لاوامر الحكومة والبرلمان.
ولكن كما في العالم الثالث الدستور والقوانين والولاية العامه مسائل نظرية يرددها طلاب الحقوق والسياسة في امتحاناتهم والمعارضة في صالوناتها ومظاهراتها وليس لها من واقع في الحياة السياسية من وجود الا في مظاهر محدودة. تقاسم السلطه في النموذج الباكستاني يقضي قبل ان يغير العسكر قواعد اللعبة مؤخرا ترك السياسات الداخلية الامنية والاقتصادية للحكومات وان يدير العسكر وجهاز الاستخبارات العسكرية الملفات الخارجية بكل تعقيداتها وابعادها الاقليمية والدولية.
العسكر يديرون الملفات الخارجية
ادار العسكر وخاصه جهاز الاستخبارات الباكستاني الذي يعتبر من اقوى اجهزة الاستخبارات في اسيا واكبرها واكثرها نفوذاً وقوة قواعد اللعبة باحتراف شديد مع الهند وهي بنظر كثير من الباكستانيين العدو اللدود لاسباب تاريخية ودولية وامنية وعسكرية ووطنيه لها علاقة بقضية اقلم كشمير وقد خاضت الهند وباكستان اربع حروب وعددا لا يحصى من الاشتباكات الحدودية بين البلدين ولعب ويلعب جهاز الاستخبارات ادارة ملف اقليم كشمير المتنازع عليه مع الهند وذلك من خلال ارتباط معظم التنظيمات الوطنية والحركات المسلحة في الاقليم وحتى القادة السياسين بالجهاز وقضية كشمير تعد من القضايا الوطنية الكبرى للشعب الباكستاني ولباكستان.
ورغم وجود تيار جديد ظهر مؤخرا في اقليم كشمير ينادي بضرورة الانفصال عن باكستان والبقاء ضمن الهند لاسباب كثيرة وللواقع الذي تمر به الدولة الباكستانية من حاله انهيار وهبوط , ولكن مع المطالبة بالحكم الذاتي الا ان وجود باكستان والتيار القومي المتشدد لا يزالان موجودين لدى حركة الاتحاد من اصل كشمير كبرى الفصائل الكشميرية.
العسكر والملف الافغاني
يدير جهاز الاستخبارات العسكرية الملف الافغاني والعلاقة مع الحكومة الافغانية مما يتيح للحكومة الباكستانيه ادارة قواعد اللعبة مع الامريكان وكان لهذا الجهاز دور بارز في خروج الاتحاد السوفياتي من افغانستان حيث درب ومول وجهز معظم الحركات المقاتلة في افغانستان وحتى القاعدة وشبكة حقاني وتحالف الشمال وغيرها من الفصائل وحسب تصريحات المسؤولين الامريكان فان جهاز الاستخبارات العسكرية على صلة قوية مع شبكات مقاتلة في افغانستان وباكستان وانه يوفر ملاذات امنة في منطقة وزيرستان الشمالية وحتى بلوشتان للمقاتلين في مناطق القبائل الافغانية.
ويبني الجهاز علاقات سرية مع طالبان افغانستان والقاعدة المسؤولة عن العمليات الارهابية في كابول ضد السفارة الامريكية والمصالح الغربيه فيهاوضد مراكز حكومية افغانية.
وجهاز الاستخبارات قد يكون من وجهة نظر بعض الباكستانيين يدافع عن المصالح العليا للبلاد من خلال ان يكون لباكستان دور في افغانستان التي تربطها روابط دينية وقومية وعائلية وحدودية مع باكستان .
والذي يجري في افغانستان يؤثر على الامن الداخلي والقومي لباكستان وخاصة الامتدادات الديموغرافية بين البلدين من خلال التداخل القبلي والعائلي بينهما . اضافة الى معارضة النفوذ الهندي المتزايد في افغانستان من خلال المساعدات الاقتصادية والتدخلات الامنية ومعارضة النفوذ الايراني من خلال علاقة ايران باقليات افغانية واحزابها خاصة جماعة الحزب الاسلامي بقيادة حكميتار ومقاومة النفوذ الروسي من خلال القائد رشيد دوستم والذي يمثل الاقلية الاوزبكية في افغانستان ويدعم الجهاز حركة طالبان وذلك لتاكيد الدور الاكبر لباكستان ليس في افغانستان وانما في اسيا في محاولة لضبط قواعد اللعبة بين الهند وامريكا ومقاومة أي محاولة لتقزيم الدور الاقليمي لباكستان وايضا للحصول على مساعدات مالية واقتصادية وعسكرية اكبر من امريكا تحت مظلة محاربة الارهاب بالاخص في ظل الظروف الاقتصادية السيئة .
عسكر باكستان يغيرون قواعد اللعبه
منذ انقلاب الجنرال برويز مشرف عام 1999 غير عسكر باكستان قواعد اللعبة بحيث اصبحوا يديرون الملفات الداخلية للبلاد اضافة الى الملفات الخارجية ولاشك ان الدور الذي لعبه الجنرال مشرف في التحالف الدولي ضد الارهاب وطالبان والقاعده في باكستان حيث شكلت باكستان قاعدة رئيسية لهذا التحالف عزز من قبضة الجنرال مشرف على الحياة السياسية , وبدعم امريكي واوروبي وشرق اوسطي وعلى حكم البلاد لفترة طويله وساعده على ذلك شخصيته القوية
والارادة الصلبة وعزيمته التي لا تلين وعدم ارتباطه باي ملفات فساد . ولكن الاحتجاجات الشعبية تصاعدت مع مرور الايام ضد العسكر في باكستان الى ان اضطر مشرف الى تقاسم السلطة مع رئيس الوزراء وزعيمة حزب الشعب بناظير بوتو وكان زوجها آصف زرداري وزيرا في الحكومة. ولان كل شئ ممكن في باكستان حيث تتداخل بشكل معقد مصالح العائلات الارستقراطية والمالية والجماعات الدينية والقبائل والزعماء السياسين والاحزاب وشارع باكستاني منقسم على ولاءات عديدة تحكمه العاطفة والخطاب الديني والقبلي والاقليمي والقومي.
مشرف يعفو عن الفساد.. والفاسدون يلاحقون مشرف
الباكستان بلد العجائب السياسية فكل شيء ممكن عندما اصدر الجنرال مشرف قانون المظالم الوطنية والذي اوقف ملاحقة ثمانية الاف شخص متهمين بالفساد بمن فيهم رئيسة الوزراء السابقة بناظير وقبل اغتيالها اواخر عام 2008 وزوجها الرئيس الحالي اصف زرداري الذي كان وزيرا عن حزب الشعب تلاحق الحكومة الحالية برئاسة اصف زرداري الرئيس مشرف بتهمة قتله لزوجته بوتو ولزعيم منشق عن اقليم بلوشستان قتله الجيش عام 2009 باعلان حاله الطوارئ من قبل مشرف وعزله قضاة محكمة العدل العليا ,ولكن يبدو ان الحكومة تخشى عودة الجنرال مشرف للبلاد وتأسيس حزب جديد (الحزب الاسلامي لكل باكستان) والذي اعلن تأسيسه من لندن عام 2010 وخوضه للانتخابات القادمه وان كان الجنرال مشرف يحظى بدعم خفي من امريكا والغرب ودول شرق اوسطية لدوره البارز في محاربة القاعده وطالبان وشبكة حقاني . وكونه جنرال الباكستان القوي.
ولا يخفى ان رئيس المحكمة العليا والذي عزله الجنرال مشرف عام 2008 والذي عاد بضغط الشارع الى المحكمة يريد الانتقام من الجنرال مشرف عبر اعتقاله اذا عاد الى باكستان .
السيد الرئيس 20%
يوصف الرئيس الباكستاني في المحافل الدولية بانه الرئيس 20% وتختلف هذه المحافل في تحديد النسبة حيث يصر بعض الاوساط السياسية والاقتصادية على وصفه حتى بالسيد 50%. وهذا لقب تم منحه من قبل المجتمع الدولي للرئيس الباكستاني اصف زرداري للدور الذي لعبه وزوجته بوتو في اخذ عمولات من الشركات الاجنبيه في مشاريعها في باكستان اثناء حكم زوجته وكان هو وزيرا في حكومتها ،وتقدر نسبة العمولات بالملايين التي تم ايداعها في المصارف السويسرية .
منذ عام 2008 وحتى عام 2011 لم يتطرق العسكر ولا المحكمة العليا الى الفساد والرشاوى في الباكستان ولكن بعد تصاعد الخلاف بين العسكر والرئيس زرداري على خلفية الحديث عن انقلاب عسكري وشيك في باكستان طلب زرداري معونة الحكومة الامريكية لمنع الانقلاب عبر وثيقة «موجموغت» والتي نقلها سفير باكستان في واشنطن حسين حقاني. وفجرت ازمة سياسية كبيرة بين الحكومة والجيش
خيارات باكستان المقبلة
على ضوء ما تقدم ينتظر باكستان عدة سيناريوهات قادمة في القطار الباكستاني.
1.من المتوقع ان يتخلى الرئيس جيلاني عن الرئيس اصف زرداري يطلب من سويسرا فتح تحقيق بامواله خاصة ان ضغط الشارع واحزاب المعارضة تؤيد ملاحقة قضايا الفساد والرشاوى في باكستان على ان تجري انتخابات مبكرة لانتخاب الرئيس مع ابقاء رئيس الوزراء وحزب الشعب في السلطة للمدة المتبقية وهي سنة واربعة شهور وبذلك تكون هناك سابقة تاريخية في باكستان وهي ان حكومة قد اكملت مدتها الدستورية بدون حدوث انقلاب عسكري او اغتيال رئيس الحكومة او اجباره على ترك البلاد الى المنفى.
2. الانقلاب العسكري قائم واحتمالاته قليلة كون امريكا والغرب ودول شرق اوسطية على علاقة قوية بالعسكر وجهاز الاستخبارات الباكستاني حذرت العسكر من اي مغامرة للقيام بانقلاب وان الوضع الداخلي في باكستان والاقليمي والعالمي لايسمح بوقوع انقلابات عسكرية في السلطه
3.ان يجبر العسكر وجهاز الاستخبارات الباكستاني الرئيس الباكستاني اصف زرداري على مغادرة البلاد الى دولة اخرى وتحت ذريعه العلاج الطبي في الخارج وان يقدم استقالته من الخارج لاسباب صحية.
4.ان تفتح سويسرا تحقيقا بقضايا الاموال المودعة باسماء الرئيس زرداري واخرين وان تتم الاطاحة بالحكومة وعن طريق المظاهرات بالشارع ويجري تقديم الانتخابات المبكرة في الباكستان وتجري هذا العام.
5.يجري وقف ملاحقه الجنرال مشرف بعد ضغوط امريكية وشرق اوسطية ليخوض الانتخابات القادمة .
6.يدعم الجيش وبشكل خفي المعارض الجديد عمران خان وحزبه ذا الخطاب القومي المتشدد.
7.من المتوقع ان تلحق هزيمة بحزب الشعب وحزب الرابطة الاسلامية لقضايا الفساد والرشاوى في كل من السلطة والمعارضة وهذا يتعلق بزرداري ونواز شريف .
العسكر يرّحلون الحكومة
واسقطت المحكمة العليا قانون المصالحة واعتبرته غير دستوري وطالبت بابطاله وطالبت رئيس الوزراء جيلاني المثول امام الحكومة وكتابة رسالة وطلبت من سويسرا فتح تحقيق حول اموال اصف زرداري في سويسرا.
وان كان الرئيس جيلاني قد اشار الى ان الرئيس زرداري يتمتع بحصانة كونه رئيساً للبلاد وحسب نص الماده 248 من الدستور الباكستاني الا ان المحكمة العليا فسرت الدستور والمادة 248 بانهما لايشملان قضايا الرشاوى والفساد وبالتالي اصبح الرئيس جيلاني والرئيس اصف زرداري بين مطرقة العسكر وسنديان المحكمة العليا