الساعة

خارطة طريق لبناء احزاب سياسية مدنية

07/06/2011


مركز الرأي للدراسات
اعداد : الدكتور أسامة تليلان السليّم
حزيران 2011

من غير المتصور قيام ديمقراطية حقيقية في الدول التي تعتمد على النظم البرلمانية بدون وجود تعددية حزبية وسياسية تستند الى توازن نسبي بين ثلاثة أو أربعة أحزاب سياسية كبيرة تعكس تكوينات المجتمع الفكرية. ذلك أنه إن كان للديمقراطية ان تزدهر وتتخطى الحاجز الرسمي فلا بدا من تشجيع التعددية الاجتماعية والسياسية والترابط الحر والمجتمع المدني وتعزيزها ورعايتها.
ويمكن التأكيد على أن تأخير قيام عملية ديمقراطية في الدول ذات النظم البرلمانية ان لم يستند الى تعددية حزبية وسياسية فاعلة افضل من قيامه، لان قوانين الانتخاب في هذه الحالة ستعتمد على التكوينات الإرثية وهذا أخطر ما يمكن لانه وصفة سحرية وقوية لتفكيك المجتمع وفرز العديد من المهمشين داخل إطار العملية الديمقراطية. هذا فضلا عن أن عدم قيام أحزاب كبيرة تتبادل الأدوار تحت قبة البرلمان وتتقاسم المسؤولية في اطار التعددية سيعرض العملية الديمقراطية الى نتائج ومسارات قد لا يكون مرغوب فيها وبشكل قد يقلل الفرص أمام ترسيخ هذه العملية والوصول الى نظام ديمقراطي ناجز. وستحد من قدرة النظام الديمقراطي على التجدد والاستمرارية والتوازن واستيعاب القوى والشرائح الناشئة والمتجددة بشكل قد يفرغ العملية برمتها من مضمونها الحقيقي وتصبح جزءا من أزمة الثقة وجزءا من مشكلة أي نظام سياسي بدل ان تكون جزءا فاعلا في زيادة حيوية النظام واستقراره.
بالمقابل فإن عملية بناء حزب سياسي كمؤسسة فاعلة وذات قاعدة عريضة مهمة ليست بالسهلة ذلك أن البناء الحزبي أكثر تعقيداً من غيره من المؤسسات فهو بحاجة إلى توفر العنصر البشري النوعي والكمي والتنظيم المحكم وفكر سياسي ناضج وما ينبثق عنه من برامج، وبحاجة إلى المال. إضافة الى ذلك هناك جملة من العوامل ذات صلة وثيقة بتحقيق الفعالية الحزبية وقيام احزاب كبيرة، ومن هذه العوامل القوانين الناظمة للحياة الحزبية والسياسية فقد تكون بمثابة العوامل المعززة او العوامل المقيدة ومنها قانون الأحزاب وقانون الإنتخاب ، كما تمارس البيئة السياسية العامة دوراً مشابها للتشريعات، وبالتالي هل تدعم قوانين الإنتخاب وصول الأحزاب الى البرلمان أم لا، وهل للأحزاب تمثيل في الحكومات أم لا ، وهل هنالك ثقافة سياسية داعمة للعمل الحزبي أم لا ، كل هذه العناصر حاسمة في تشكيل أحزاب سياسية كبيرة. وفي الأغلب قد يتوفر بعض هذه العناصر ويغيب بعضها الآخر، مما قد يفضي في أفضل الأحوال إلى نشوء أحزاب متعددة لكنها صغيرة و بفاعلية غير مؤثرة وغير قادرة على اكتساب الأهلية الاجتماعية والسياسية.

الحياة الحزبية الاردنية
وفي التجربة الاردنية فإن الحياة الحزبية الاردنية لم تشهد منذ عام 1992 قيام أحزاب سياسية كبيرة قادرة على حمل أعباء الديمقراطية البرلمانية، الامر الذي فاقم من الصعوبات والاختلالات التي يواجهها النظام الديمقراطي في الأردن بفقدانه
أحد أهم ركائزه. ولعل نتائج هذه الاختلالات تكرست في السنوات الأخيرة على مستوى عامل الثقة بين الناس و المؤسسة البرلمانية في اكثر من حالة ومعنى حتى اصبح البرلمان جزءا من اشكالية اصلاح المسار الديمقراطي.
وفي إطار هذه الحالة وهذه العوامل فإن الوصول في الحالة الأردنية وفي كل الدول التي تمر بمرحلة انتقالية للديمقراطية البرلمانية إلى خارطة طريق تفضي إلى وجود ثلاثة أو أربعة أحزاب سياسية كبيرة وفاعلة بغض النظر عن العدد الكلي للأحزاب مهمة في غاية الأهمية والضرورة ان على مستوى استقرار النظام الديمقراطي او على مستوى اعادة بناء الثقة بالعملية الديمقراطية ومؤسساتها، وهي مهمة بالغة الحساسية والتعقيد ومليئة بالتحديات وبحاجة إلى إدراك كامل بحتمية التعددية الحزبية بين احزاب كبيرة وبحاجة الى أفكار وشراكات جديدة وغير تقليدية لكنها ممكنة ونجاحنا في ذلك وفي اختصار الوقت للوصول الى الحالة المطلوبة مرهون بتحديد العناصر والعوامل المؤثرة في الحياة الحزبية وكذلك بتحديد الرابط الموضوعي بينها وفي مقدمتها الرابط الموضوعي بين قانوني الإنتخاب والأحزاب. إذ لا يمكن أن تنهض حياة سياسية وبرلمانية بدون أحزاب سياسية كبيرة، تحدث توازنا فاعلا في التعددية الحزبية والسياسية، وتدير عملية التبادل السلمي في الأدوار عبر البرلمان.
إن وظيفة الدولة في مثل هذه الحالة وهذه المرحلة تتجاوز توفير البيئة التشريعية والسياسية المناسبة ، الى إدارة عملية بناء تعددية حزبية تفضي الى وجود ثلاثة أو أربعة أحزاب سياسية كبيرة وذات سمة مدنية ديمقراطية رشيدة، وبدون ان تبدو العملية وكأنها تدخل مباشر أو صناعة حكومة وإنما عملية إدارة تترك فيها باقي الخيارات الى الناس. ولو تحلينا بالحكمة لتمكنا من إدارة هذا الانتقال بسلاسة وبغير ذلك فقد يسفر الأمر عن فوضى وشرذمة وقلاقل.

الهدف العام
تعزيز بناء أحزاب سياسية كبيرة تعكس التنوعات الرئيسية في المجتمع خلال فترة من عامين إلى أربعة أعوام.
تقليل فرص قيام أحزاب سياسية تستند إلى العوامل الدينية او الوراثية كالأسرة والقبيلة والمدينة وغيرها من التفريعات مقابل نشوء أحزاب تقوم على أسس حداثية تسهم في تعزيز الحياة الديمقراطية وبناء مجتمع مدني فاعل.
زيادة فرص قيام أحزاب سياسية فاعلة تعكس توازنا نسبيا في إطار التعددية الحزبية والسياسية وتبعد إمكانية هيمنة حزب واحد.
تحقيق كل ما سبق دون أن تتعارض بنود قانون الأحزاب مع المعايير الدولية لحرية التنظيم.
ولتحقيق هذه الأهداف فإن خارطة الطريق تستند إلى أربعة محاور هي :

المحور الأول : قانون الأحزاب
ما عدا التمويل الخارجي والعمل المخالف للدستور واللجوء إلى الأدوات غير السلمية في تحقيق الأهداف والإضرار بهوية الدولة والإستناد إلى الجهوية والعوامل الإرثية ينبغي ان تزال كافة القيود عن قانون الأحزاب.
قوننة إشراف الدولة على الأحزاب وتحديد المرجعية المختصة في الإشراف.
السلطة القضائية صاحبة الولاية في حل أو وقف الأحزاب عن العمل.
تخصيص دعم مالي للأحزاب في موازنة الدولة.
ربط الدعم المالي بمعايير محددة.
ان يشترط ان يكون للحزب خمسة فروع في محافظات المملكة وبحد ادنى لا يقل عن خمسين عضوا فاعلا.
يحدد الدعم المالي المقدم للاحزب بمقدار تحقيق كل حزب لعدد من هذه المعايير وذلك بعد تجميع النقاط المخصصة لكل معيار.

المحور الثاني: معايير الدعم
الغاية من المعايير تحديد اتجاه تشكل الأحزاب بما يتوافق مع الأهداف الرئيسية في خارطة الطريق، بحيث يحصل الحزب الذي يحقق أكبر كم من هذه المعايير على دعم مالي أعلى وعلى فرص حقيقية في الحياة السياسية والديمقراطية، مما سيجعل من المعايير بمثابة العامل المحفز والموجه في تشكيل الأحزاب وإلى جانب ذلك فإن هذه المعايير ستسهم بمرور الوقت في بناء ثقافة مدنية موازية تؤثر في سلوك الناس تجاه الأحزاب وتشكلها بالإضافة إلى إسهامها في خلق وعي مجتمعي مدني رصين. وهذا مرهون بإنسجام المعايير التي تحدد قيمة الدعم المالي للأحزاب مع الهدف الأساسي وهو بناء نظام ديمقراطي حقيقي يستند إلى التعددية الحزبية والسياسية وقيام أحزاب كبيرة تدعم نشوء مجتمع مدني فاعل.

المعايير التي تقترحها خارطة الطريق ما يلي :
معيار التنوع الديمغرافي في قاعدة العضوية للحزب بحيث لا تزيد أي شريحة من شرائح المجتمع الإرثية (العائلة والقبيلة...) عن 20% من عدد الأعضاء وأن تعكس القاعدة العضوية للحزب توازنا في تمثيل الشرائح الرئيسية في المجتمع الاردني (15 نقطة)
معيار التنوع الإيدلوجي والفكري والديني في قاعدة العضوية بشكل يتناسب مع عدد الاعضاء الكلي ( 15 نقطة ).
معيار تنوع الشرائح العمرية في قاعدة العضوية (5 نقاط).
تواجد الشباب والمرأة في مختلف الهيئات الحزبية (10 نقاط ) وبنسبة لا تقل عن 15% لكل شريحة.
الأحزاب التي تطرح برامج إجرائية معلنة في مجالات التنمية المختلفة ( 5 نقاط).
النظام الداخلي للأحزاب بحيث يتضمن القواعد الديمقراطية الأساسية مقترن بالتطبيق العملي، اختيار القيادات في المواقع الحزبية بالانتخاب وبالطرق الديمقراطية وان لا يعاد انتخاب الأمين العام لأكثر من دورتين على أن لا تتجاوز مدة الدورتين ست سنوات، وأن يتم اتخاذ القرارات بالطرق الديمقراطية، وأن تتضمن أدبياتها وبرامجها على مبادئ المجتمع المدني والحاكمية الرشيدة واحترام حقوق الانسان والنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد سواء على المستوى الحزبي أو على المستوى الوطني (10 نقاط).
لكل فرع للحزب يتم افتتاحه في إحدى المحافظات ( 3 نقاط ) بحد أعلى 15 نقطة لكافة الفروع.
يحصل الحزب على ثلاث نقاط لكل الف عضو مسدد لاشتراكاته بحد أعلى 15 نقطة.
يحصل الحزب على خمسة نقاط إذا وصل لديه عضو إلى مجلس النواب وبحد أعلى 10 نقاط.
يبدأ الحزب بالحصول على الدعم إذا وصل عدد الأعضاء الملتزمين والمسددين لاشتراكتهم ألف وخمسمائة عضو.
يجوز لعدد من الأحزاب الدخول في إئتلافات لتحقيق شروط الدعم وتحسب النقاط على أساس أن الإئتلاف حزب واحد. ويتم الحصول على الدعم مقسم على عدد الأحزاب المشكلة للأئتلاف. وينقطع الدعم في حال حل الإئتلاف وتعدل قيمة الدعم في حال انسحب حزب أو أكثر بناء على النقاط التي حصل عليها الحزب المنسحب او باضافة نقاط اذا دخل حزب جديد للإئتلاف ولديه نقاط جديدة لم تحسب بالنسبة للأحزاب المشكلة للإئتلاف.

المحور الثالث : قانون الانتخاب
ان أي قانون انتخاب لا يوفر الظروف التشريعية للأحزاب السياسية للتنافس على أصوات الناخبين كأحزاب سياسية يبقى قانون منقوص ولن يحقق أي فاعلية حزبية وسياسية جديدة ولن يؤدي الى تشكل أحزاب سياسية كبيرة. فصيغ الهيمنة واللون الواحد على صعيد الحياة الحزبية تفقد الديمقراطية مضمونها والكثير من أدواتها الأساسية وتعرض النظام السياسي لإشكاليات التوازن والاستقرار.
فالتأسيس لحياة حزبية فاعلة وقيام احزاب كبيرة لا يمكن ان يتحقق بعيدا عن البرلمان لذلك فالرابط قوي بين قانون الانتخاب والاحزاب، أي ربط الاحزاب بالحياة البرلمانية ، فما هي مصلحة اي مواطن في الانتساب لحزب لا أمل له بتشكيل حكومة او المشاركة في صنع القرار. إضافة الى ذلك فإن البيئة البرلمانية القائمة على اساس الكتل والاحزاب توفر للمجتمعات السياسية المتقاربة في الافكار والبرامج الفرصة للإئتلاف كي تكون اكثر تأثيرا. وعلى ذلك فالنجاج في الربط بين الاحزاب وقانون الانتخاب يشكل حلقة أساسية في إنجاز المهمة فالأحزاب الكبيرة لن تولد فراغ وبدون اطار تشريعي داعم لها وعلى ذلك تقترح هذه الخارطة ما يلي على صعيد قانون الانتخاب :
أن يضمن قانون الانتخاب فرصة حقيقية وعادلة للأحزاب للوصول إلى البرلمان عبر نظام القائمة النسبية المخصصة للأحزاب وبنسبة تفوق ثلث عدد المقاعد البرلمانية وان يكون التصويت على القائمة ضمن دائرة واسعة.
ان يشترط في قانون الانتخابات النيابية فيمن يترشح للإنتخابات النيابية أن يكون عضواً في حزب سياسي وان يكون قد مضى على عضويته سنتان وان يحصل على ترشيح الحزب له لخوض الانتخابات.

المحور الرابع: تمثيل الأحزاب
تمثيل الأحزاب الكبيرة أو الإئتلافات الحزبية المحققة للشروط السابقة في تشكيل الحكومات والمواقع العامة بمعنى ان يكون هناك إئتلاف غير مباشر بين الحكومات والأحزاب الكبيرة، شريطة ما يلي :
الأحزاب التي يزيد عدد اعضائها عن ثلاثة الاف. (هذا الرقم قابل للتعديل بالقياس لما سيستقر عليه عدد الأعضاء في الأحزاب الكبيرة بعد تطبيق الخطة وبعد التحركات الحالية الساعية لتأسيس احزاب بحيث يبقى الهدف في حدود ثلاثة أو أربعة احزاب كبيرة)
الأحزاب التي لها نواب في البرلمان.
ان تكون قد حققت المعيارين الأول والثاني والثالث في المحور الثاني محور المعايير.
أن يكون لها فروع في خمس محافظات على الأقل.
( ملاحظة الارقام والنسب والنقاط قابله للتعديل)

حرصت خارطة الطريق من خلال المحاور التي اعتمدتها على معالجة الأسباب التي أدت إلى ضعف الفاعلية الحزبية خلال العقدين الماضيين، كما حرصت على استثمار الدعم المالي المقدم من موازنة الدولة إلى الأحزاب لبناء أحزاب كبيرة او إئتلافات حزبية ذات سمة مدنية رشيدة وتحتكم إلى القواعد الديمقراطية وبذات الوقت التقليل من فرص قيام احزاب ذات سمة قبلية أو إرثية ودعم بناء ثقافة مدنية ديمقراطية تعزز من التعددية الحزبية.

كما استهدفت الخارطة إحداث تغييرات إيجابية في البنية الثقافية والإجتماعية المرافقة للعمل الحزبي وللإنتخابات، وذلك من خلال دفع القوانين والمعايير والعلاقات الجديدة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مع الاحزاب بالإنتقال التدريجي إلى الثقافة المدنية والمجتمع المدني والاسهام في إندماج المجتمع وتجانسه.
كما تطرح الخارطة حوافز حقيقية وكبيرة أمام تشكيل أحزاب كبيرة وأمام دخول الأحزاب الصغيرة في إئتلافات حزبية كبيرة لتحقيق الشروط المطلوبة لتمثيلها بالحكومات والمواقع العامة والحصول على الدعم المالي، ومنحها فرصة للتنافس على المقاعد البرلمانية وبطريقة متدرجة وقابلة للقياس.
وفي الختام فإن الخارطة تشكل طرح أولي قابل للتطوير والبناء من خلال طرحها للنقاش وتبادل الآراء والأفكار حولها.