اعداد : د. خالد الشقران
ركز الرأي للدراسات
1/2007
ثمه مسألة يصعب على المتتبع لما يجري في العراق ايجاد اي تبرير منطقي لها حتى ان اورد كل ما يمكن ان يندرج تحت باب الحجج الرصينة من اجل تبرير الصمت او السكوت او الحياد العربي " سمه ما شئت" ، وكأن العراق اصبحت قطعه من هونولولو او من جزر الواق واق ليس لها علاقة بالعرب او بالعروبة ولا تربطها اي صلة بالنسيج القومي العربي.
ولو حاولنا البحث في خطورة ما يجري في العراق لهالنا ان اخطر ما يجري العمل عليه هو محاولة طمس الهوية العربية، مع ما يتبع ذلك من محو للشعور القومي وللارتباط القومي ما بين العرب وهذه البقعة التي كانت على مر التاريخ احدى النقاط المضيئه واحدى المراكز ذات الاشعاع الحضاري المؤثر عبر مسيرة الامة العربية والاسلامية وحتى قبل هذا ، والمؤسف ان هذا المحو يتم وعلى مسمع من العالم " بمحاية طائفية" ذات صبغة لا تخلو بشكل او بآخر من الارتباط المشبوه بالهوية الفارسية.
ربما حاولت الولايات المتحدة في بداية احتلالها للعراق الاستعانة مؤقتا بطائفة ضد اخرى لتحقيق هدف واحد بعينه هو اسكات اصوات معارضي وجودها ،ومن ثم تعود بعد تحقيق هذا الهدف للانقلاب على الطائفة الاولى وتسلم مقاليد الحكم لمن تعتقد بأنهم سيقودون عراق ما بعد الاحتلال – العراق المرحب بالقواعد العسكرية الامريكية الدائمة- نحو وجهة علمانية عولمية ترتبط على الدوام بخدمة المصالح الغربية في المنطقة وفي مقدمتها المصالح الامريكية اضافة الى المصالح الصهيونية، لكن الامور سارت على ما يبدو بعكس ما كانت تخطط له الولايات المتحدة فهي من جانب لم تستطع اخماد المقاومة التي اخذت تقوى وتتطور عملياتها حتى باتت قوات الاحتلال وما معها من مليشيات وقوات جيش وامن حكومية عاجزه عن القضاء عليها، وفي نفس الوقت انقلبت الطائفة الاولى التي استعانت بها للتخلص من المقاومة لتقود العراق نحو وجهة اكثر خطورة مما تهدف اليه المقاومة وهي بالطبع تتمثل في محاولة تغيير هوية العراق عبر ربطه بالمصالح الايرانية الفارسية في المنطقة ومحاولة سلخه عن جلده القومي وهويته الحضارية التي هي ارحم بكثير بالنسبة للولايات المتحدة من وجود دولة ذات هوى فارسي بمحاذاة ايران تقوى المد والنفوذ الفارسيين في المنطقة.
ومن الممكن جدا هنا ان نجد الاعذار المختلفة لسياسة الولايات المتحدة المتخبطة في المنطقة على اعتبار انها لا تملك الخبرة الحضارية او التاريخية اللازمه التي يمكن ان تؤهلها للتعامل بشكل صحيح مع شعوب المنطقة، او ربما يغفر لها بعدها عن المنطقة وعدم معرفة خبرائها بخصائص وتركيبة شعوب المنطقة، خاصة اذا ما علمنا ان معظم مستشاريها لشؤون المنطقه هم من المقيمين في الولايات المتحدة او من النخب المختلفة في المنطقه والذين يمكن ان نطلق عليهم المخططين الاستراتيجييين من وراء المكاتب المخمليه، الامر الذي يبدو طبيعيا معه وفي ظله ان تكون السياسة الامريكية متخبطة ولم تهتد للطريق الصحيح الذي ينبغي ان تتعامل بموجبه مع حالة العراق.
لكن الامر المستهجن ولايمكن للمنطق او للجدل الفلسفي او للعقل المصلحي ان يقبله هو موقف الدول العربية التي من المفترض انها تعلم علم اليقين خطورة ما يجري في العراق وخطورة ما تعنيه محاولات طمس الهوية العربية واستبدالها بأخرى فارسية ليس فقط لا تقبل بالعروبة وانما تقف ضد كل ما هو عربي اصيل ، وهي بالطبع لديها القابلية الكبيرة للتآمر على هذه العروبة ، والمساهمة في احداث مزيد من التشرذم والانشقاق وربما النزاع فيما بين شعوبها ودولها، وما يجري بلبنان ليس عنا ببعيد.
لقد جاءت احدث الصيحات العربية وهي بالطبع ليس آخرها من مندوب جامعة الدول العربية في العراق الذي قدم استقالته احتجاجا على غياب الموقف العربي المؤثر فيما يجري هناك، وهنا فإن السؤال الذي يبقى مطروحا على الدوام هو الى متى سنبقى ننتظر الآخرين ليحددوا لنا مصيرنا ويرسموا لنا ملامح المستقبل ؟! ومتى يمكن لنا ان نكون قادرين على ادارة ازماتنا بأنفسنا؟! وهل يعقل ان لا ننتبه للمخاطر التي تحف بنا الا اذا نبهنا الاخرون اليها؟!
بقي ان نقول انه ربما يغفر التاريخ لامة إن هي تأخرت قليلاً عن ركب الحضاره، ولكن ما لا يسمح به التاريخ ولن يغفره ابدأ هو ان تدير امه ظهرها للماضي والحاضر والمستقبل! وهذا تماما ما يفعله العرب الآن!.
kshogran@jpf.com.jo