وطننا الأردن الغالي جذوره ضاربة في عمق التاريخ وشموخه يعانق السماء، ولقد سكنه هنا العموريون أشقاء الكنعانيين قبل التاريخ، وكان العمونيون هنا سنة 1250 قبل الميلاد وبنوا عمان القديمة، وشكل الأنباط مملكتهم مبكراً بدايات تاريخ منطقة الأردن في القرن الثاني قبل الميلاد. وتحدثوا الآرامية ثم العربية، وأصبحت البترا/ الرقيم عاصمة لهم، وكان لهم هنا احد عشر ملكاً، وفي المغطس تعمد السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان، وأصبح مكاناً مقدساً للحج المسيحي، ونهر الأردن الخالد يطل على فلسطين وقدم إلينا من بلاد الشام وهو خالد، واحتل الأردن مكانة بارزة في شعر حيدر محمود، وهنا كان الأمويون والرومان والعثمانيون، وأم قيس شاهدة عيان على اليونانيين والرومان معاً.
د.حسام العتوم
وعلى أرض الأردن جنوباً وصلت طلائع ثورة العرب الكبرى المجيدة قادمة من الحجاز ملبية صيحة شريف العرب وملكهم الحسين بن علي بهدف إبعاد الأتراك وتوحيد بلاد الشام وكل بلاد العرب، وكتاب (الحركة العربية) لسليمان الموسى يؤكد ذلك، ففي صفحة (695) منه يكتب.. «بحيث تتمثل الوحدة في العلم الواحد والنقد الواحد وجوازات السفر، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد.
وبني الأردن على أكتاف ملوك الهاشميين الغر الميامين وأبناء الأردن والعرب رغم الانتداب البريطاني آنذاك الذي بدأ يخلي الميدان تدريجياً وتباعاً عام 1921، فكان البناء هنا لعبدالله الأول الأمير والملك، ثم تبعه طلال ملك الدستور، والحسين الباني، ثم جلالة الملك عبدالله الثاني المعزز– حفظه الله ورعاه – حتى الساعة، ورغم شح الإمكانات التنموية إلا أن الأردن حظي بقيادة الملك عبدالله الثاني الحكيمة، وبجهد الشعب الأردني العظيم الصابر، وبعمق علاقاته العربية والإقليمية والدولية المتوازنة انطلاقاً من مصلحة الأردن العليا والعربية كذلك.
وللأردن موقع استراتيجي مهم بإطلالته على فلسطين وقضيتها العادلة والعالقة من دون حل ناجع مقنع منذ عام 1948، ولوصايته التاريخية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين منذ عهد شريف العرب وملكهم الحسين بن علي عام 1924، وللأردن معاهدة سلام مع إسرائيل منذ عام 1994، ومهما كانت درجة عدم الرضا الشعبية عن المعاهدة والرفض للوجود الإسرائيلي غير الشرعي على أرض فلسطين، ولقضية احتلالها لأراضي العرب في المقابل، ولأسرلة القدس إسرائيلياً وتحت غطاء أميركي أيضاً، فإن خطوة السلام التاريخية عمل استراتيجي، وأبرمت تحت غطاء دولي ولم ننفرد بها على طريقة غيرنا من العرب على غرار (كامب ديفيد 1979، وأوسلو 1990)، وشكلت لنا في الأردن جداراً سرياً آمناً ومحصناً بالقانون الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومحكمة الجنايات الدولية. وكلنا معنيون في الأردن دولة وحكومة وشعباً بمطالبة إسرائيل الالتزام ببنود معاهدة السلام وإنهاء احتلالها لكافة أراضي العرب في فلسطين والجولان وتلال ومزارع شبعا، وعلى إسرائيل أن تعترف أولاً عاجلاً أم آجلاً بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف وبحق العودة والتعويض، وبإخلاء المستوطنات من ساكنيها اليهود، وليعم السلام هنا وسط العرب وفي الإقليم وعلى خريطة العالم، ولتعلو شعلة التنمية الشاملة. رغم أن المخططات الظلامية خطيرة بحق فلسطين وتسير بالاتجاه المعاكس.
ومن المهم أن نعرف هنا بأن عهد جلالة الملك عبدالله الثاني شهد منذ عام 1999 بدأ بتطبيق إصلاحات شاملة هدفت إلى تحويل الأردن إلى مركز إقليمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسياحة، وأصبح الأردن عضواً في منظمة التجارة العالمية لإقامة سوق حرة من منطلق تحرير السوق والاستقرار السياسي.
وتحول إلى مركز جاذب للاستثمار، وبرز قطاعا السياحة والاستثمار، بينما هي أراضيه الصالحة للزراعة (10%) من المساحة الكلية بعد ضياع كامل فلسطين، وعلى مستوى الفوسفات احتل المركز الثالث في الصادرات العالمية، واستخرج البوتاس والأملاح والغاز الطبيعي والحجر الكلسي، ونجاحات جديدة في الطاقة الشمسية وإبداعات تنموية مستمرة، ولنا جيش أردني عربي باسل نعتز به إلى جانب منظومة جهاز أمننا الوطني الجبار، وعودة إلى عنوان المقال اعلاه فإن للأردن علاقات إقليمية ودولية متوازنة، ونلاحظه يمسك العصا السياسية والاقتصادية من الوسط في عمق العرب، ودول الإقليم، والعالم، وبانفتاح يتناسب ومصلحته الوطنية العليا، وعلى مستوى العلاقات الأردنية مع الفدرالية الروسية فهي متطورة منذ أن صافح مليكنا الراحل العظيم الحسين بن طلال دبلوماسياً وسياسياً الزعيم السوفييتي نيكيتا خرتشوف عام 1963 عندما كانت موسكو تقود الاتحاد السوفييتي، وهي الآن في عهد مليكنا عبدالله الثاني والرئيس فلاديمير بوتين في أحسن أحوالها على مستوى الدبلوماسية والسياسية رغم عدم رضا الجانب الروسي عن حجم التبادل التجاري كما أعرف، وكما تحدث بخصوصه وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف هنا بعمان عام 2017 أثناء مؤتمره الصحفي المشترك مع وزير خارجيتنا أيمن الصفدي، وكرره سفير روسيا لدى الأردن بوريس بولوتين، وفي المقابل فإن شركة (ASE) الروسية تتولى إنشاء المحطة النووية،وتمثل شركة (روس اتوم) الشريك الاستراتيجي للجانب الأردني، وتتولى تشغيل المحطة خلال الأعوام العشرة الأولى من عمر المحطة حسب حوار أجراه الصحفي القماز من جريدة الرأي مع الدكتور خالد طوقان رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية بتاريخ 26/1/2017.
وعلى مستوى المنح الدراسية المجانية للأردن فإن روسيا تقدم أكثر من (100) منحة سنوياً وتصل إلى (118) منحة حسب القناة الفضائية الناطقة بالعربية (RT) والتي تبث برامجها من موسكو، وهي في زيادة مستمرة وفي مختلف التخصصات الأكاديمية، ووصلت إلى (120) منحة حسب مقابلة سابقة أجرتها وكالة الأنباء الأردنية بترا مدير المركز الثقافي الروسي السابق د.فاديم زايجيكوف ونشرتها جريدة السبيل بتاريخ 1/فبراير/2017، وهي خدمت عام 2018. وتعاون عسكري أردني روسي حسب موقع (يمين نيوز) نشر بتاريخ 22/1/2011 بإنتاج قاذفات صاروخية وتوريد طائرات نقل عسكري، ومدافع وغيره، وهو حق لقواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي بهدف التنويع والتميّز.
وسياسياً أعلنت الجزيرة الفضائية ووكالات أنباء عن إعلان عمّان عن اتفاق اميركي روسي أردني لإنشاء منطقة خفض تصعيد مؤقتة جنوب سوريا بتاريخ 11/11/2017 بعد اتفاق روسي – اميركي بأن لا حل عسكريا في سوريا والمطلوب المحافظة على استقلالها،وقادت روسيا بالتعاون مع اميركا والأمم المتحدة والعرب مفاوضات (جنيف) و(الاستانا) وجنيف من جديد لإيجار مخرج ناجع للأزمة السورية الدامية انتهت إلى اختلاف في المواقف بين روسيا من جهة ومعها إيران وأميركا من جهة أخرى عدد من دول أوروبا مثل انجلترا وفرنسا حول الحضور الكيماوي في الغوطة ودوما، وسجلت روسيا موقفاً واضحاً من مسألة الاحتلال الإسرائيلي لأراضي العرب منذ الرابع من حزيران بضرورة العودة لقرارات الأمم المتحدة، ونادت ولا تزال بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ويشهد هذا العام 2018 مرور (55) عاماً على العلاقات الأردنية – الروسية.
وحسب دراسة للباحث ذياب الفايز لعام 2013 فإن العلاقات الأردنية الأميركية انطلقت عام 1949 عندما حلت مكان البريطانية كمصدر رئيس للمساعدات الخارجية والدعم السياسي الغربي للأردن، وساهمت الولايات المتحدة الأميركية بمساعدة ا لأردن في تجهيز وتدريب قواته العسكرية منذ أعوام 1967/1968 و1970. ودراسة (U.S Relations With Jordan, 2012) تشير إلى تقدير الولايات المتحدة لدور القيادة الأردنية الخاص الذي تلعبه في تقدم السلام والاعتدال في المنطقة، وبينت الدراسة بأن الولايات المتحدة والأردن يشتركان في الأهداف المتبادلة الشاملة من أجل إحلال السلام الدائم في الشرق الأوسط، والعمل على إنهاء التطرف العنيف الذي يهدد أمن الأردن والمنطقة والعالم (انتهى الاقتباس). والملاحظ حسب ما أعتقد بأن الولايات المتحدة الأميركية تشكل حليفاً استرايتجياً للأردن اليوم على مستوى الاقتصاد والعسكرة والأمن رغم تباين وجهات النظر السياسية بين الأردن وأميركا حول صفقة العصر التي توضح واشنطن بأنها لن تمر من دون موافقة الجانبين العربي – الفلسطيني الإسلامي والمسيحي وبين إسرائيل فيما تهدد السلطة الوطنية الفلسطينية بتأجيل الاعتراف بإسرائيل كردة فعل طبيعية على المشروع الأميركي – الإسرائيلي المشترك بنقل سفارة (واشنطن) إلى القدس الشرقية وإحباطهما لعملية السلام الخاصة بالقضية الفلسطينية العادلة والدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وكل ما له علاقة بالحلول النهائية، وتركها الباب موارباً ذات الوقت أمام مرور الوصاية الأردنية على المقدسات التي كلفت خزينة الدولة الأردنية حتى الساعة مليار دولار ولحق بها الضرر الكبير جراء بقاء الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي فوق أرض فلسطين. وفي المقابل يبلغ حجم التبادل التجاري بين عمّان وواشنطن حوالي (3,4) مليار دولار، ومساعدات أميركية مادية مستمرة للأردن كان آخرها على مرحلتين (6,3 مليار) و(1,3 مليار دولار).